ألوان مصرية
16 نوفمبر 2009
مررت الدقائق ببطء، وددت لو أستطيع تحريك عقاب الساعة التى اختلس النظر إليها ما بين الحين والأخر ، ترغمنى التقاليد على الانتظار وتبادل الحديث مع عائلتى ، لعنت نفسى ألاف المرات لأصطحاب صديقتى لدعوة غداء عائلية.. منذ بداية وصولنا و ينتظر أبن عمى أى فرصة لتبادل الحديث معها، تستفزنى تعليقات أخى التافهة، أحاول أن اتابع أحاديث بنات العائلة عن الموضة ولكنى سرعان ما أفقد أنتباهى وأرجع إلى محاولات أبن عمى للاستحواذ على صديقتى ، لم تكن أخر صيحات الموضة أبدا محل أهتمامى ، يحكى لها موقف سمعته منذ أكثر من 15 عاما، إتساءل بينى وبين نفس لم يحدث له جديد؟!، لماذا توقفت عقارب الساعة؟ يبدو عليها الملل .. أدعوها لمرافقتى إلى البلكونة.. حالة من الصمت .. يكسرها منظر عاشقان .. تبتسم كل منا للأخرى .. أسند ذراعى على كتفها وأنا أسرد لها حكايات عن مغامرات طفولتى فى هذا الشارع، تعلو ضحكاتنا ولكنها تصمت فور انضمام ابن العم إلينا .. لم اسمع إلى أى حرف من كلماته ولكنى تمكنت من قراءة ما وراء الكلمات.. نظراته الموجهة لشفاه ونهود صديقتى .. لم يكترث لنظراتى الحادة أو نبرة صوتى الغاضبة، كانت الكارثة على وشك الحدوث حينما أطلق أخى أحد تعليقاته النارية، إلا أننى تمالكت أعصابى وانتظرت بضعة دقائق قبل أن أودع الجميع وأغادر.
إستمر أخى فى سخفاته، فعرض أن يوصل أبن عمنا صديقتى "عشان – على حد قوله - أنا ما بأعرفش أسوق" لم تنتهى هذه المسرحية الهزلية عند هذا الحد ولكن استمر الأثنان فى التهويل فى ردود أفعالى أثناء القيادة والتى تتراوح ما بين الأغماء وحالات الشلل المؤقت. وقبل أن ينفجر البركان بداخلى ، أنهت صديقتى المسرحية برفضها لخدماتهما.
لم أفتح فمى واستغرقت فى تفكير عميق ، لماذا حدث أو يحدث هذا دائما؟ لماذا أتحمل تلك السخافات ؟ تساؤلات البعض عن صداقتى بـ "لينا" .. يحسدنى الكثيرون على هذه الصداقة.. ولكن يضع البعض علامات أستفهام ، لم يجرؤ أحد من هؤلاء على توجيه سؤال مباشرً عن لينا.. ولكن هناك علامات استفهام وتعجب .. تردد جدتى عبارتها المعتادة "زميلة دراستها، فيها الخير لا تحتمل عليها الهواء" يهز عمى رأسه وكأنه ينفى ما فى راسه من تساؤلات"لكن كل صداقة لها حد ... صداقتهما بلا حدود.. أنها أقرب إلى حالة من حالات العشق " يتشجع أخى ويرسم على وجه ملامح التفكير ويقول " مش عارف إذا كانت أختى بتتسلى بالبنت يعنى ولا ناوية تتجوزها قريب " بالطبع لا يعجب جدتى تعليقه، تتهمه بالتفاهة وقلة الأدب ، ثم تبدأ فى سرد محاسن ومواقف لينا الأنسانية، خصوصا بعد الحادثة.
العلاقة أعمق من تساؤلاتهم وتحليلاتهم .. لينا رفيقة روحى ..لولاها لكنت فقدت عقلى، كانت أقرب لى من عائلتى وأشقائى وحتى نفسى.. حينما يضيق صدرى .. أريد بالبوح بمكنون قلبى من أحزان .. يفاجئنى اتصال تليفونى منها أو بريد إلكترونى تعلمنى فيها موعد وصولها.. مرات اجتازت ألاف الأميال للأطمئنان على أحوالى ، تزورنى وتحادثنى أكثر ممن يعيش معى فى نفس البلد أو المدينة أو حتى الشارع. نعم أننا زملاء دراسة ولكن ليس هذا كل شئ .
ربما كان الألم هو الرباط الأبدى بيننا .. كنت فى بداية مرحلة المراهقة حينما قضت اللوكيميا على حياة صديقتى، كان والدى يدرس فيما وراء البحار .. بقيت معنا أمى فى الوطن، لم تجد أمى مفراً من ارسالى لوالدى بعدما لم يفلح شئ فى كسر حالة الحزن التى لازمتنى لشهور، لم أرفض أو أؤيد قرارها، كان الوطن بدون صديقة طفولتى جحيماً لا يطاق..
وراء البحار، كان لقاءى الأول بـ " لينا "، كانت عربية مثلى ولكن الحرب والدمار هو سبب هجرة عائلتها، فقدت عددً من الأصدقاء والأقارب... كانت تفهم معنى افتقاد صديق ..ولكنها كانت تعى معنى الحياة .. لقد كان الموت يطير فوق رأسها عدة مرات.. منذ بداية إدراكها للعالم ، كانت رائحة الموت ممزوجة بالحياة.. لكنها تعلمت أن تلتمس شتئ السبل الممكنة للمحافظة على حياتها وحياة الأخرين،كان وجها أكبر من عدد سنوات عمرها.. تفهمت ألامى وكانت ترياق الشفاء لها..
على الرغم من معانأتها النفسية إلا أنه لم يكترث أحدً للتخفيف من ألامها، لقد ولدت وترعرت فى مجتمع يعانى من صدمة نفسية جراء الحرب وما نتج عنها من قتل ودمار.. لم تطلب منى شئ أكثر من أن نتجاوز معانأتنا والأمنا سويا ... علمتنى لينا حب الحياة وسرقة لحظات السعادة والبهجة والاستمتاع بها..
رجعت إلى وطنى وظلت لينا وراء البحار ولكن علاقتنا لم تنتهى .. تجاوزت علاقتنا .. فضلت الألتحاق بجامعة فى وطنى على الدراسة بالخارج.. لاحقا .. بدأت لحظات الألتقاء الجسدى بينا.. عرف كلا منا الأخر .. أكتشف رغبته فى الألتحام المثلى وليس المغاير..
حينما وصلنا البيت، احتضنتى بقوة ورفعت رأسى بيدها ونظرت إلى عينى وقالت " أخيراً .. أصبحنا سويا .. عائلتك لطيفة لكنى أنا هنا من أجلك أنت فقط" .. قبلت رأسها ووجها واحتضنتها بين ذراعى ولكننى شعرت بالأنكسار والخذلان .. لماذا لا استطيع البوح بحبى لها؟ .. لماذا أتظهر أنها مجرد صديقة؟ .. كانت نظرات أبن عمى تخترق جسد حبيبتى كسهام مسمومة، عيناه تنزع ملابسها القطعة تلو أخرى، شعرت أنه يتمنى إمتلاك جسدها .. يحلم بالغوص داخلها واختراق أعماقها .. حينما كانت تتكلم كانت تثير رجولته .. هل كان يتخيلها وهى تتأوه من الحب وهو يستمتع بأكتشاف أنوثتها.. كانت أقرأ هذه الأفكار والمخايلات فى صوته وعينه .. إلا أننى كنت عاجزة عن الصراخ فى وجه .. أو أجباره على التوقف.. حتى على الأقل المطالبة باحترام علاقتى بها ..كيف سيكون رد فعله إذا ما عرف أنها محبوبتى؟! هل يبارك مثل هذا الحب أم يتحول إلى جلاد؟ كيف سيكون الموقف إذا ما كنا زوج من مغايرى الجنس مرتبطين سواء بعقد زواج أو حتى بدونه، أُجُزم أنه لم يكن يتجرأ على رفع عينه للنظر لوجه زوجة أو محبوبة أبن عمه .. كان سيحترم أختيارها لرجل أخر ولكن ارتباطها بأمراة حتى لو كانت أبنة عمه لن يعنى له أى شئ .. ربما تتراجع عن ميولها المثلية أو لعب البنات إذا ما جربت فحولته ..
لم تتركنى لأفكارى .. قرأت ما تخفيه عينى .. فقالت " عارفة أنا بأفكر فى أيه .. فى اليوم اللى ها يسمح فيه بزواج المثليين فى وطنك.. طبعا هاتتزوجنى ساعتها .. هانكون اول عقد زواج" ضحكت بمرارة قائلة " يا ترى مين ها يعيش .. كده انا مطمئنة أنك مش ها تدبسينى فى جوازة ... أحنا فى مرحلة فتاوى قتل المثليين ولا حرقهم فى نيران أو فى أحسن الأحوال رمي المثليين من فوق الجبال.. حياتى لسه بدرى على جوازنا هنا ".
No comments:
Post a Comment