ألوان مصرية
14 نوفمبر 2009
كالعادة فى أخر لحظة تم إلغاء بعض المواعيد، إلا أننى لم أستطع تحمل رفاهية البقاء فى المنزل خلال عطلة نهاية الأسبوع، فضلت الذهاب إلى المكتب للأنهاء بعض الأعمال التى غالبا لا تنتهى. كان كل شئ فى الشارع معتاد، البواب النائم على مقعده ، الحديقة المجاورة المحاطة بالأسلاك وبعض المارة ، إلا أنه بمجرد الخروج للشارع الرئيسى شعرت بأن شئ جليلا عظيما قد حدث، أعلام مصر فى كل مكان ، على الشرفات ومداخل العمارات ، حتى أن السائقين قد علقوا الأعلام على سياراتهم، تساءلت ماذا حدث ؟ هل استغرقت فى نوم طويل مثل أهل الكهف ولم اشارك فى صنع أو حتى متابعة هذا الحدث التاريخى الذى من أجله ترفع أعلام الوطن على المنازل والدكانين والسيارات؟ مشيت على استحياء وانا خجلانة من السؤال .. ربما استطاع العرب رفع العلم الفلسطينى على اسوار البلدة القديمة فى القدس، أو حتى استجابت اسرائيل للضغوط المصرية وتوقفت عن سياسة تهويد القدس، أو استقال مجلس الوزراء وأعلان فشل سياساته ودعى لتشكيل حكومة جديدة ... بلاش سياسة مالها الحكومة المصرية ، ده حققت إنجازات ما حصليتش ، أمتى أتحطت الأحذية أمام السفارات المصرية فى الدول العربية ولا انضربت سفاراتنا بالطوب ، أمتى كان لوزير خارجيتنا الشرف ومسك يد السيدة المصونة تسيبى ليفنى ويا حرام طالبها بضبط النفس حينما أعلنت من القاهرة "انها يا حرام قرفت من حماس و اتخنقت ومش قادرة تستحمل وكفاية كده بقى يا جماعة " سيبك من السباسة الخارجية وخلينا نفكر فى أحوالنا الأقتصادية، ياترى حصل أيه ، هل تمكنت حكومتنا الرشيدة من القضاء على الفقر والجهل والمرض والفساد ؟ بلاش طمع ، حاجة واحدة تكفى مثلا: دعم احتياجات المواطنين الذين يعشيون تحت خط الفقر، أو نظام تعليمى عصرى ، أوتحسين الخدمات الطبية المتدهورة ، أو بطلت تستورد المبيدات المسرطنة والأدوية الفاسدة وقبضت على رجال الأعمال اللى سرقوا القروض، أو خلاص مفيش حوادث القطارات والطرق اللى مشابهة لحرب الكواكب،أوعلى الأقل انتصرت بالحوار وواجهت التأسلم السياسى أو حتى قالت أن القانون والدستور فوق الكل وده حفاظا على الحقوق والواجبات لجميع المواطنين .. ألف سؤال وسؤال .. ماذا فعلنا للوطن حتى نستحق شرف رفع العلم المصرى؟
لا أدرى إذا ما كان اللاوعى قد اختار التاكسى الذى ركبته، كان سائقه من القلائل الذين لم يرفعوا العلم ، ولكن بمجرد أن دخلت السيارة التقطت أذنى نغمات الراديو، صوت المذيع مشابه لصوت أحمد سعيد مذيع صوت العرب خلال الحقبة الناصرية، كان صوته يثير الحماسة فى داخلى ، يشعرنى بالواجب الوطنى المقدس، بالرغبة فى المشاركة فى المعركة، بالتضحية بروحى ودمى من أجل كرامة وطنى وعزة أبنائه.
وقبل أن أهتف بالروح بالدم نفديك يا مصر .. سمعت المذيع يتحدث عن مباراة مصر والجزائر للتأهل لكاس العالم . ساعتها شعرت بالدونية والرغبة فى البكاء وأنا اشاهد العلم المصرى مرفوع على أحد مطاعم الأسماك ، تذكرت كرامة العرب المهدورة على أسوار القدس حينما سمعت تصريح محمد زيدان مهاجم منتخب مصر بـ "أنه سيحرق قلوب الجزائريين في القاهرة يوم الـ14 من نوفمبر ردا على حرق قميص المنتخب المصري ووضع صور فنانات بدلا من لاعبي منتخب مصر " ابتسمت خلال استغراقى فى تصريحات زيدان "الجزائريون يحقدون على مصر لأنها دولة متقدمة وتعتبر هوليود الشرق ". لم الاحظ أن هناك طفل لم يتجاوز العشر أعوام يستجدى من سائقى السيارات، ثم عبست أساريرى وانا أتذكر معبر رفح ومشاركتنا فى تجويع ما يقارب من مليون وثلاثمائة الف نسمة ولكن تجاهلنى الراديو واستمر فى إذاعة أغنية وطنية وكأنه بيطلع لسانه لى .
شعرت برغبة فى الهروب من الاستماع إلى هذه التمثيلية الهزلية المفروضة على ، مجرد أن لاحت أمامى شبح المبنى طلبت من السائق بالتوقف ، مشيت بضعة أمتار ، لم اكترث لمجموعة الأعلام على مدخل العمارة ، واجتازت درجات السلالم فى عجلة محاولة الهروب من هذا العالم الذكورى الذى خسر معاركه التقليدية و بات يحاول البحث عن انتصارات وهمية لأقناع حريمه وأبنائه بقوته وجبروته. على درجات السلالم، قابلتنى وجوه كثيرة ؛ البواب ويداه مرفوعة لسماء يحثنى بلهجة أمرة أن أدعى عشان ربنا ينصرنا ، إمراة منقبة منتظرة أمام مؤسسة حكومية ، طفل صغير يلهو بعلم مصر ، رجلان يتجادلان حول نتيجة المباراة .. أسرعت لاهثة نحو الباب للدخول إلى عالمى الخاص .. لكن اصوات الراديو لم تتوقف، ظلت تطاردنى تتهمنى بالتخاذل عن نصرة وطنى وأهلى وعشيرتى. هربت إلى صوت فيروز .. كانت تقص حكاية الشخص وبائعة البندورة .. لم تتبنى رؤية الشخص بل حاولت أن تكون لسان حال البائعة .. فى مقابل أصوات لولو و زاد الخير وعالية ووردة وبائعة البندورة انهزم صوت الراديو داخلى.. رددت كلمات بائعة البندورة وتخيلت نفسى أبيع الطماطم فى شوارع القاهرة ، أحاول الهروب من الساحة كى لا يتم مصادرة مصدر قوت أسرتى .. شعرت بالفرح لأنتصار كل واحدة منهن .. لكن صوت زميلى شدننى إلى العالم .. أها النهاردة السبت بس عرفت أنك موجودة لم سمعت صوت فيروز .. استمر فى حديثه قائلا " أغانى فيروز غريبة على ودننا .. مش بتاعتنا" ابتسمت قائلة " حاول تجاهل ( هيك وشو ) ساعتها هاتعرف أن الكلام مش غريب لكن كلام سمعته قبل كده مرات وكمان هاتكتشف إن شخصيات اغانى فيروز بتحكى حكاية مشتركة حصلت أو بتحصل فى لبنان وفلسطين ومصر والجزائر ، الحكاية عبارة عن ماتش كورة ، الأختلاف بينا وبين الشخصيات ده أنها عارفة مين غريمها الرئيسى وبتحاول بالمواجهة تغيير واقعها..
1 comment:
مقال أككثر من رائع أنا بجد ذهلت أن
الكلام هذا يخرج من عقل بنت شاذة
fatensiam5@yahoo.com
Post a Comment